معركة إزالة الحواجز أمام سلام ترامب
معركة إزالة الحواجز أمام سلام ترامب
مشروع دونالد ترامب لسلام الشرق الأوسط انطلاقاً من وقف النار في حرب غزة ينتقل من 2025 إلى عام 2026 مع نقاطه الـ20، ولا أحد يعرف متى يتحقق بالفعل وكيف، فالرئيس الأمريكي قفز خلال عام واحد من هدنة إلى هدنة في ثماني حروب من دون سلام ناجز، وهو، بحسب روبرت كيوهان وجوزف ناي في كتاب "نهاية القرن الأمريكي الطويل"، حاول أن يفعل في وقت واحد "فرض أمريكا علی العالم وإبعادها منه".
هذا ما ظهر واضحاً في "استراتيجية الأمن القومي" لعهده، فمشروع السلام يحتاج إلى أكبر قدر من الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، في حين تشير استراتيجية الأمن القومي إلى "تراجع الأهمية الاستراتيجية" للمنطقة، والانتقال في ضمان المصالح "من الوجود إلى النفوذ"، وعلى الطريق إلى تحقيق السلام الشامل عواتق وعقبات يحتاج قطعها إلى جهود جبارة يديرها البيت الأبيض مباشرة وعبر حلفائه.
ذلك أن مشروع ترامب لا يزال يتعثر في غزة ولبنان والعراق، ويصطدم بالمشروع الإقليمي الإيراني الذي انحسر لكنه لم ينته، ويواجه طموحات نتنياهو و"إسرائيل الكبرى"، ففي غزة تصر "حماس" على بقاء سلاحها وتتردد الدول في الانضمام إلى القوة الخارجية لضمان السلام خوفاً من الاصطدام معها، وتهدد إسرائیل بإكمال الحرب لإنهاء أسلحة "حماس" وحكمها في القطاع وحتى نفوذها.
وفي لبنان يستمر "حزب الله" في رفضه لتسليم سلاحه شمال الليطاني، وتحاذر الدولة استخدام القوة خوفاً من حرب داخلية، وتفشل في إقناع أهل السلاح بالتخلي عنه لتجنب حرب إسرائيلية مدمرة وفتح الطريق أمام المساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار.
وفي العراق معركة سياسية صعبة بعد انتهاء مرحلة "التخادم" بين أمريكا وإيران وتصعيد ترامب ضد طهران من قبل القصف الأمريكي والإسرائيلي لبنيتها العسكرية والنووية، فالعراق هو الموقع المهم الأخير الذي تتمسك به طهران بكل الوسائل بعد إخراجها من سوريا بسقوط نظام الأسد، وإضعاف أذرعها المسلحة في غزة ولبنان، وعنوان المعركة حالياً هو "الحشد الشعبي" المرتبط بالحرس الثوري، أمريكا تضغط لحله وتجريده من الأسلحة، وإيران تصر على تقويته وتشريع دوره.
وليس هذا سوى معركة في حرب إيران والحرب عليها، فالجمهورية الإسلامية تربط مستقبلها بمشروعها الإقليمي وتعمل على إعادة تسليح "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" ومواجهة إسرائيل وأمريكا، وهي ترى أن نجاح مشروعها يحتاج إلى استعادة سوريا من إدارتها الجديدة، وتطويع العالم العربي، وتحرير فلسطين وإخراج أميرکا عسكرياً من غرب آسيا، وفي المقابل فإن مشروع ترامب لسلام الشرق الأوسط يتطلب إنهاء المشروع الإقليمي الإيراني ثم تغيير النظام الثيوقراطي في طهران.
أما نتنياهو، فإنه يندفع في احتلال أراض جديدة في سوريا ولبنان ويرفض العودة إلى اتفاق فك الارتباط في الجولان لعام 1974، ويتهرب من أي اتفاق أمني آخر مطالباً بمنطقة خالية من السلاح جنوب سوريا من دمشق حتى الحدود، ويتدخل في السويداء ومع "قسد"، وما يصر على رفضه هو إعادة ربط غزة بالضفة الغربية ومن ثم قيام دولة فلسطينية في إطار "حل الدولتين"، وهذا يضرب جوهر السلام الذي هو تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي.
ففي غياب الحل العادل للشعب الفلسطيني، بقي السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن بارداً، وحوصر "اتفاق أوسلو" والسلطة الوطنية الفلسطينية، ولم ينحسر الصراع العربي - الإسرائيلي على رغم "اتفاقات أبراهام" برعاية أمريكا بين إسرائيل وکل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، ولن تتبدل الحال، ولو توسعت "اتفاقات أبراهام" وشملت معظم الدول العربية.
وإذا كان أهم ما تركز عليه أمريكا وإسرائيل هو دخول السعودية بما تمثله في هذه الاتفاقات، فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أبلغ ترامب مباشرة بوضوح أنه لا اتفاق قبل أن تقوم دولة فلسطينية بحسب المبادرة العربية للسلام التي خرجت من قمة بيروت عام 2002 وكانت مشروعاً قدمه الأمير ثم الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
فضلاً عن أن هناك اهتمامات أخرى لدى شعوب المنطقة وحكامها بمقدار ما لدى واشنطن من اهتمامات خارج الشرق الأوسط، فما تريده الدول العربية "ليس فقط نهاية الصراع العربي - الإسرائيلي بل أيضاً نهاية الفوضى الإقليمية"، كما تقول مديرة مركز الشرق الأوسط في كارنيغي مهى يحيى.
وما يحتاج إليه السلام الشامل في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل هو تسوية الصراعات العربية - العربية وتوجيه البرامج نحو تمكين المرأة وتحسين نوعية التعليم والمشاركة، لا مجرد الاستخدام في التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي والحوكمة الرشيدة.
ومن هنا أهمية التركيز على محتوى السلام وجوهره، فالوجه الآخر للسلام هو العدالة، والإطار الضيق للعدالة يحتاج إلى التوسع في العدالة الاجتماعية والاقتصادية لشمول التنمية كل بلدان المنطقة وكل المناطق في أي بلد. ولا سلام من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية وترسيم حدود للدولة العبرية التي لا تزال بلا حدود لكي تتمكن من التوسع الجغرافي بالقوة، ولا سلام من دون إنهاء المشروع الإقليمي الإيراني وطموح صاحبه إلی تغيير جذري في العالم العربي ضد إرادته عبر فصائل أيديولوجية مذهبية مسلحة غير دولتية.
والأمل في ألا يحتاج مشروع ترامب للسلام إلى مزيد من الحروب للوصول إليه، وهو أيضاً في تغيير الواقع الذي عبر عنه الفيلسوف هيغل بالقول، "التاريخ للحروب وليس للسلام تاريخ".
* نقلا عن صحيفة “الإندبندنت عربية”











